الجمعة، يونيو 08، 2007

حائط الانتصارات

قرأت قديماً عن قاعدة هامة من قواعد النجاح
هذه القاعدة مفادها
أصنع لنفسك مجداً - فإذا ما صنعته - ضعه أما عينيك دائماً
هذا المجد سيعينك في لحظات الضعف على أن تسرع في النهوض مجدداً وقت أن تتذكر أنك عظيم وأنك كبير وأنه سبق لك وأن كنت قوياً بارعاً وأن هذا الضعف ما هو الا حالة طارئة ستعود بعدها لتصنع المجد تلو الآخر
وهذا ما فعلت
صنعت حائط المجد أو حائط الانتصارات كما أحب أن اسميه لأنني انتصرت فيه على نفسي قبل النصر على اي شيء آخر
وبدأت القاعدة تثبت صحتها على طول الخط
أصبحت أخوض التحدي تلو الآخر وكان النصر دائماً هو حليفي الدائم برغم كل المعوقات
واكاد أجزم أن هذه القاعدة ساعدتني في الحصول على شهادة الماجيستير في وقت قياسي وبرغم الظروف النفسية السيئة بعد استبعادي من النيابة العامة والظروف المادية الصعبة حيث كنت أعمل وقتها مفتش تموين وكان دخلي الشهري لا يتعدى المائتين وخمسون جنيهاً وبرغم ذلك حصلت على الماجيستير وعمري اربعة وعشرون عاماً فقط

كنت أقف أمام الحائط واقرأ قول الله تعالى في خواتيم سورة يس
أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ
ثم أتنهد بصوت مسموع وأقول
بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ

في اشارة الى أن الذي استطاع احراز النصر قديماً يستطيع احرازه مجدداً
وأن الذي قهر التحدي قديماً يستطيع قهره مجدداً
وأن الذي رزقك قديماً مازل موجوداً ليرزقك الأن
ولله المثل الاعلى

اكتب هذا الكلام بمناسبة عدم صمود حائط الانتصارات أمام القصف المدفعي المباشر وغارات طائرات الميج والفانتوم و اف16 ومدرعات ومجنزرات القوى العاتية التي تجتاحه حالياً في انزال كاسح يفوق انزال نورماندي اكتساحاً
وأن ما أنا فيه الآن وما أنا مقدم عليه مستقبلاً يحتاج لما هو أكثر قوة وصلابة وفولازية من الحائط الموجود حالياً
وأن هذا الحائط أصبح الآن بلا جدوى تماماً شأنه في ذلك شأن حائط برلين الذي انهار مع انهيار الشيوعيه
وأصبح الاسم المناسب الآن لهذا الحائط هو " حائط المبكى " حيث انحسرت كل فائدته في مكان آمن أمارس فيه هوايتي المفضله في البكاء على الاطلال

السبت، يونيو 02، 2007

طفل وطفل


طفلان

عمرهما أربع سنوات على أقصى تقدير

يعيشان نفس الظروف الصعبة

عائلة فقيرة جداً تكاد تأتي بقوت يومها بشق الانفس

تعيش تلك العائلة في أحد أفقر الاحياء الشعبية ليس في مستوى المعيشة فقط

وأنما هو الفقر المطلق بأنواعه بما يشمل فقر الاخلاق والمبادىء أيضاً حيث يحكم هذا الحي شريعة الغاب وحدها

عرض عليهما فجأة وبدون مقدمات أن يتركا ذلك العالم بأسره ويعيشان في عالم جديد

أب جديد وأم جديدة وحي راقي وجيران متمدينة

تعليم متحضر في مدارس يتحدث طلابها ثلاث لغات بطلاقة

زي مدرسي أشبه بزي أبناء ملوك أسرة محمد علي

يخرجان من المدرسة يذهبان بعدها الى النادي الأكثر رقياً حيث يمارسا الاسكواش والفروسيه مع مدربيهما الاجنبي

اسلوب حياه مختلف تماماً عما اعتادا عليه

وليس هذا فقط

أنما مستقبل واعد كرئيس مجلس ادارة احدى الشركات التي يملكها والدك الجديد وأنت لم تتعدى الثلاثين بعد

تستطيع أيضاً الزواج من احدى بنات الاسر الراقية ابنة سيدة المجتمع صاحبة أكبر جمعية خيرية للمدافعة عن حقوق الخنافس الخضراء في الحياه الكريمة دون تعرض الانسان المتوحش لها

والاهم من كل ذلك هو موافقة ابواك الحقيقيان على ذهابك الى تلك الحياه الجديدة

انهما يفضلان لك أن تنشأ وتحيا حياه كريمة بعيداً عنهما بدلاً من الموت جوعاً بجوارهما

وطبعاً هما في انتظارك في أي وقت تحب فيه زيارتهما

كيف يتصرف كلاً من الطفلين؟

...

الطفل الأول

اختار أن يذهب الى الحياه الجديدة

اختار أن يدافع عن حقه في حياه كريمة بحيث لا تنتهي حياته الا وقد عاش سعيداً لأن المرء لا يعيش في الدنيا الا مرة واحدة

دافع عن حقه في تعليم راقي يفيد به نفسه ومجتمعه

دافع عن حقه في تكوين اسرة وأن ينعم ابناؤه بحياه مترفة

دافع عن حق اولاده في تعليم راقي وبيئة صالحه بحيث يخرج من صلبه من هو قادر على حمل راية الاصلاح والتقدم

دافع عن حقه في الحياه الكريمة والهواء النقي والماء النظيف والتعامل المتحضر واحترام الناس وفرصة العمل المجزي وفرصة الزواج الراقي وفرصة السيارة الفارهة وكل الفرص الاخرى التي لن يحصل على شيء منها حالة بقاءه مع اسرته الحقيقية

هو يعتقد - وأنا ايضاً - أنه حق شرعي تماماً لا ينبغي على أحد منازعته فيه

...

الطفل الثاني

فضل أن يبقى مع أسرته الحقيقية برغم كل الاغراءات

أن يأكل من نفس الطعام - إذا وجد - هذا الطعام اصلا

أن ينال أي حظ من التعليم يستطيع ابواه أن يصلا به اليه

أن يعيش كل مشاكل ابيه وأمه وعائلته

هو يشعر أنه نسيج من هذه الاسرة ويحب أن يذوق معهما كل فرحة وإن قلت

ويتجرع معهما كئوس الالم مهما كثرت وتكاثرت

في الحقيقة هي ليست تضحيه منه أبداً

لكنه هو الذي يحب أن يكون مرتبطاً بمن حوله

يريد أن يعيش هكذا ويموت على هذا

هو يرى أن كل نعمة أخرى أنما تأخذ معها من النعم ربما أكثر مما يحتمل


الحقيقة أنه لا يمكن الجزم أبداً أي الطفلين يحب عائلته أكثر من الآخر؟

فكلاهما لديه طريقة مختلف للتعبير عن هذا الحب

ولا يمكن الجزم أيضاً أيهما اختار القرار الصحيح ؟

فكلاهما لديه المبررات المنطقيه والمشروعة على صحة اختياره

لكنني

لا أعلم ولا أريد أن أعلم

لماذا أصر دائماً - دون أي مبرر- على أن أكون الطفل الاخير؟



الصورة للفنان وليد منتصر