الخميس، فبراير 05، 2009

السعادة


استكمالاً إلى ما قد بدأ سلفاً،واستصحاباً إلى ما سبق الحديث عنه فيما يتعلق بالسعادة التي هي ضالة الانسان كما أن الحكمة ضالة المؤمن وحيث أن السعادة - في نظري- مثل الكنز المفقود يظل الانسان يتتبع علاماته طوال عمره وكلما شعر بالاقتراب منه يعود ليكتشف كم هو بعيداً عنه،كذلك السعادة قلما تجدها على مدار حياة الانسانية عموماً وانسان هذا العصر خصوصاً،كما أن السعادة شأنها شأن المرأة لا تكاد تجزم بأنك تفهمها حتى تكتشف أنك عدت إلى نقطة الصفر وأنك تدور في دائرة مفرغة كلما حللت لغزاً تصطدم بآخر حتى تيأس وتعود أدراجك وقد أصبحت أكثر يقيناً بأن المرأة لغز أبدي وسر من أسرار السماء،وعلم لم نؤت إلا قليلاً منه بل وأقل من القليل بكثير. انحسرت كل المحاولات عن ابراز ماهية السعادة وانحصرت في كشف أسباب الوصول إليها،وكيف يكون الانسان سعيداً،وماذا يفعل لكي يكون أسعد الناس،وهذا وإن كان ذلك مسلكاً عملياً إلى حد كبير لكنه يغفل المنهجية العلمية في الوصول إلى الغاية الأسمى ابتداء بالبحث في مكنوناتها والكشف عن ماهيتها ومروراً باستظهار طرق الوصول إليها وانتهاءً بالاحساس بها

وأعود إلى السعادة ،وتحديداً إلى مرادفات السعادة ونقائضها حيث يتبادر للذهن للوهلة الأولى أن للسعادة أسماء أخرى مثل الفرح والسرور والحبور والابتهاج وكلها ليست من أسماء السعادة لأن السعادة هي السعادة ولا يمكن أن يصف السعادة كحالة إلا السعادة كاصطلاح، كما أنه ليس للسعادة أي مرادفات تعبر عنها كالفرح مثلاً حيث يختلف الفرح جوهرياً عن السعادة التي تختلف بدورها عن السرور ويختلف كلاهما عن الابتهاج كما يختلف يوم القيامة عن يوم البعث ويختلف الاثنان عن يوم الحشر الذي يختلف بدوره عن يوم الحساب بالرغم مما قد يرسخ في باطن الذهن بأنها في النهاية شئ واحد ينتظره الجميع
وقد يصح القول أن الفرح والسرور والابتهاج من ناحية والحزن والعبوس والكآبة من ناحية أخرى حالات شعورية وانفعالات ذاتية مؤقتة،فالفرح لمحة من لمحات السعادة والسرور هو ظهور تلك اللمحة على الوجه فمن انفرجت اساريره فهو مسرور أما الابتهاج فهو انشراح الصدر بعد وصول تلك اللمحة إلى القلب وكلها أشياء تفنى وتزول بانتهاء عوامل بقاءها لأنها حالات لحظية تدور وجوداً وعدماً مع مسبباتها بعكس السعادة التي هي حالة دائمة ،تلتصق بشخص الانسان ولو زالت أسباب وجودها واندثرت عوامل بقاءها،فالانسان يستطيع أن يظل سعيداً برغم كل الصعاب والمحن وبرغم الحزن،وبعض الناس يزداد سعادة كلما زادت عليه نائبات الدهر،وقد يكون شقياً رغم وافر النعم وتعدد مسببات الفرح والسرور والابتهاج،فهو يفرح للحظة ويسر لدقيقة ويبتهج لساعة لكنه لا يلبث الا أن يعود إلى حالته العامة من الشقاء

وأنا لا أحب الفرح كما أن الله لا يحب الفرحين لأن الفرح مسخ يولد من العدم وليس له أصل كما أنه عقيم لا يتمخض عن شئ في الغالب والذي يركن إلى الفرح هو شخص هالك لا محالة،فالفرح حالة شعورية مخادعة لا تأتي الا لتزول مثل الحالة التي يسببها أي مسكر أو مخدر،ولذلك يبحث الناس عما يفرحهم لكي ينأوا ولو قليلاً عن احساسهم بالشقاء،كما يبحث المدمن عن جرعة المخدر لكي ينسى احاطة المشكلات به،وعلى نقيض ذلك يكون الحزن الذي يستفز ملكات الانسان ويوقظ مشاعره ورغباته في حياه أفضل ويكون خير عوناً له في الوصول إلى الغاية الأسمى
وإزاء ما تقدم فإنني استطيع أن أدفع عن نفسي تهمة الجنون إذا قلت بأنني شخص سعيد يميل إلى الحزن،يعانق الكآبة،ويحن إلى الابتهاج