الثلاثاء، ديسمبر 25، 2007

ضريبة الشعر


أثارت قصيدة فاصل من الهذيان - وحق لها - ردود أفعل متباينة منذ نشرتها لأول مرة في أواخر شهر اكتوبر وبداية شهر نوفمبر وقد كنت أتوقع هذا بصورة أو بأخرى نتيجة لأنني كنت حاداً جداً في استخدامي لبعض الكلمات التي تثير لدى البعض مشاعر متباية كما أنني ولأول مرة اضمن قصيدتي ابياتاً من الفخر المبالغ فيه بصورة كبيرة حتى أنن ربما أكون الشاعر الأول في التاريخ الذي يكتب اسمه في قصيدة يكتبها

والحقيقة أن ردي كان جاهزاً على كل الانتقادات والاستفسارات والتي اقتنع بها البعض كلياً أو جزئياً الا أنه أثارني رد غريب جداً من أحد الاشخاص المقربين

يابخت الشعرا دول بيعرفوا يقولوا كلام مش عارف بيجيبوه منين مع ان الواحد بيحس بحاجات جامدة قوي ومش بيعرف يعبر عنها انما الشعرا وهما قاعدين ومزاجهم رايق تلاقيهم طلعوا قصيدة جامدة والناس تفضل تعيط من كلامهم وهما ولا في دماغهم

والحقيقة أن هذا الكلام لا يعبر عن الواقع أبداً لا من قريب ولا من بعيد

الشاعر يدفع الثمن مقدماً من راحته ومشاعره وصحته حتى يخرج معاني من بين سطور كلماته هذه المعاني تؤثر في وجدان الناس وترقى بمشاعرهم وعواطفهم
الشاعر أقل كلمة تؤثر فيه وأي شيء يجرحة

الشاعر يتصبب عرقاً في عز البرد حيث تغلي دماءه من أجل نقل احساس صادق الى اوراق جامدة

عندما قلت

اريد دواءً مــن الالام كـي اسـمـع صـوتـاً يـعلـو اهــــات الـوجـدان

هذا البيت مثلاً خضت بسببه أكبر تجربة الم جسدي في حياتي كلها حتى لحظة كتابة تلك السطور

بسبب هذا البيت ذهبت الى طبيب اسنان صديقي وقمت بخلع ضرسي دون تخدير

كنت في قرارة نفسي اظن انني سأحتمل هذا الالم مهما كان وأنني لن اقول حتى كلمة آة ولن اذرف دمعة واحدة وطبعاً ما حدث كان غير ذلك تماماً فصوت صراخي أيقظ الناس في روسيا البيضاء ومع ذلك رفضت كل محاولات اثنائي عن اتمام تلك التجربة حتى النهاية فبرغم الالم الشديد جدا جدا ورغم انني كنت سأغيب عن الوعي أكثر من مرة كنت احتاج في قرارة نفسي لاثبات معنى فلسفي مفاده أن آلآلم البدن مهما كانت شدتها فهي محدودة في قوتها وتأثيرها لا يدوم الا بضع ايام اما الالم النفسي فيظل قابعاً في قرارة القلب ربما حتى آخر العمر والالم البدني لا يجب الالم النفسي ابداً لانه اقوى منه وأعمق تأثيراً


والحقيقة أن تلك التجربة وإن كانت مفيدة جداً ربما لأنها تجعل الشخص يبكي حتى ولو كانت عيناه ترفض هذه النعمة الا انني لا انصح بتكرار تلك التجربة ولا انصح احداً بتجربتها لأنها غير محتملة وعواقبها وخيمة فلقد ظلتت ثلاثة ايام ابحث عن حذاء ثقيل ليس لأرتدية وأنما حتى اضرب نفسي به نتيجة لاتخاذي هذا القرار


والحقيقة انني اكتشفت في نفسي اشياء لم أكن اعرفها اهمها ان دماغي ناشفة جداً وأنني عنيد حتى على نفسي وأنني لا أعود في كلمة ولا قرار اتخذته وأنني أحتمل نتيجة قراراتي مهما كلفني هذا القرار من الآلام لا تطاق فرغم توسلات صديقي الطبيب كنت مصراً على ان يتم مهمته حتى النهاية دون أدنى تردد ودونما اكتراث لصيحات الالم التي جعلت كل زبائن العيادة يلذن بالفرار ويفكرن كثيراً في العودة لهذا المكان
...

هذه التدوينة اهداء لشخصين
صاحب الرأي بأن الشعراء يقولون ما لا يفعلون
وصديقي الطبيب الذي كان يضع تحت انفي منديلا مبللاً بالنشادر حتى لا افقد الوعي من فرط الالم


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق