يا ليلة العيد أنستينا
تشدو بها أم كلثوم في كل وسائل الاعلام من حولي
وأنا أضع حذائي الجديد تحت السرير واحيطة بنصف طن من القماش خشية عليه من ذرات التراب
وأنهض لآخذ حمام العيد وهو الدش المقدس عند كل الاطفال
ورغم أنني كنت أكره الاستحمام جدا
وأكرة تلك الصابونة التي يحلو لها دائما التسرب الى أعماق أعماق شبكية عيني
رغم كل هذا كنت اجدني مقبل على حمام العيد وكأنه بعث جديد للحياه
وأنام وقد اطمأننت على أن ملابس العيد كما هي لم تمس
وأن الاعداء من اخوتي قد ناموا مبكراً
فأخلد الى النوم ولا تفارق عيني تلك الاحلام التي كانت تراود سنووايت وهي غارقة في غيبوبتها
في انتظار الفارس الذي سيخلصها من سحر زوجة أبيها
وتكبر المساجد
الله أكبر كبير .. والحمد لله كثيرا .. وسبحان الله بكرة وأصيلا
ونقفز من السرير وننزل الى المسجد ونكبر مع المكبرين
أجمل تكبير اسمعه في حياتي
كنت أكبر وأنا انظر الى سقف المسجد حيث الجنة وحيث الله
لانني عندما سالت ابي اين تكون الجنة؟
قال لي بأنها فوق واشار نحو السقف
هكذا كنت أظن ولم أفهم انه يشير الى السماء
وهكذا كنت أكبر وأنا أنظر الى الجنة وقد كنت اراها فعلا
وأشعر بها في داخلي قبل ان اشعر بها فوقي
وأعود بعد الصلاه حيث جدي وجدتي
ويأتي كوب الشاي باللبن الذيذ
وتأتي العيدية وما ادراكم ما العيدية؟
وكعادتي منذ كنت صغيراً أغلس على من أحب
وأغمض عين جدتي وأقول لها أنا مين ؟
أدخل بين قدميها
أمتلىء حنانا ودفئا
اخرج فى قمة النشوة والفرح الى الشارع
وأعود وقد أصبح الحذاء الجديد الذي بات ملفوفاً في نصف طن من القماش
وقد أختفى لونه الاصلي
ويمكن وصفه بأي شيء الا أن يكون حذائاً
كان عالمي صغيراً جداً
لا يتعدى عدد افراده اصابع اليدين
لكنني لا أخفيكم سراً اذا قلت بأنني كنت أسعد طفل في التاريخ
ستقولون لي أنت واهم فكلنا هذا الرجل
لقد كنت طفلاً مسكيناً لان سعادتنا كانت أكبر من ساعدتك
ولكن دعوني أزعم صدقاً أو كذباً أنني كنت أسعد أطفال العالم
وأنني قد تجرعت من الحنان ما يكفي لاطفال قارة بأكملها
لانه هكذا اشعر اليوم بعد أن جاء العيد وقد أختفى فيه عالمي الصغير
أختفى عالمي الصغير الجميل وحل محله عالم كبير جداً
عالم فيه ما فيه من الاصدقاء والقرناء والزملاء
ولا يكاد التليفون يتوقف عن الرنين
ولا تريد الرسائل أن تتوقف
وبرغم كل ذلك بات العيد غريباً
وأمسيت وحيداً بين مئات الاصدقاء
وأصبحت غريباً على كل الاماكن
وكل عزائي هو أن أسمع ذلك الصوت الرخيم
يأتيني عبر جميع انواع الهواتف ليؤنس وحدتي
ثم يذهب الصوت
وأعوت وحيداً كما جئت وحيداً
ولسان حالي يقول
لماذا جئت يا عيد؟
واردد تلك القصيدة الحزينة لشاعر مثلي
أصر القدر أن يذكره بأخوة له لا يفرحون في العيد
ويقول
يحزن العيد
عندما نلبس الجديد
ونأكل الثريد
ونطمع في المزيد
ونقول لبعضنا عيد سعيد
وأخوة لنا عراة في الجليد / وجروح ودماء وصديد
طفل شريد
أب فقيد
وأم تئن من ظلم جبار عنيد
والمسجد الأقصى يهدده الوعيد
ونحن نقول لبعضنا عيد سعيد
ولسان حالهم يقول: لماذا جئت يا عيد ؟
لماذا جئت يا عيد ؟
وأنتهي من شرودي وأنظر الى السقف
وأرهف سمعي
لا تزال السيدة أم كلثوم تشدو برائعتها
يا ليلة العيد أنستينا
وجددتي الامل فينا
فالتفت الى التليفزيون وأقول لها وكأنها تحدثني شخصياً
اه العيد
بأي حال عدت يا عيد؟
.............
على الهامش
..............
سيذكرني قومي اذا جد جدهم
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق