السبت، أكتوبر 28، 2006

سؤال ... كيف أخذ المتهم البراءة؟ ... جواب .. بهجوم النيابة

كنت قد بدأت أحكي عن تطبيق عملي لقاعدة الدفاع خير وسيلة للنصر
وحكيت عن تواجدي للمرافعة في جناية قتل اثناء مشاجرة وانا لا أعلم شيئاً عن القضية
وحكيت عن رفض القاضي تأجيل القضية واصرارة على الحكم فيها تلك الجلسة
والآن سوف أحكي عن ملابسات الجلسة ووقائعها
...........................
شردت بذهني للحظات وانا العن ذلك اليوم الذي قابلت فيه صديقي
والذي أودى بي الى هنا حيث سأتسبب في القضاء على المتهم المسكين
الذي اوقعه حظه العاثر بين يدي محامي ميعرفش حاجة
وأفقت من شرودي على صوت الحاجب وهو ينادي على الشاهد الاول
وجاء الشاهد وهو رجل يبدو عليه الطيبة والغباء معاً
واستجوبه القاضي
واستجوبته النيابة
وما قاله الشاهد زاد الطين بله على بلله
قال انه رأى المتهم بعيداً عن موقع المشاجرة ولكنه لا يتذكر في اي لحظة بالظبط
وقال أنه يعتد ان المتهم ليس هو من قام بالضربة التي أدت للوفاه
وقال بأنه شاهد المتهم في موقع المشاجرة قبل أن تقبض عليه الشرطة
زي الفل
الله ينور عليك يا سيدنا الشيخ

ونادى القاضي على الشاهد الثاني
وقد كان أشد غباءً من سابقه لكنه كان أقل طيبة بالتأكيد وأصغر سناً
قال أنه لم يرى شيئاً وأنه سمع ان المتهم ليس هو القاتل
وأنه سمع أن شخصاً اخر هو من قام بالضرب
لكنه في النهاية لم يرى أي شيء
يعني من الآخر
شاهد ماشفش حاجة
وانا بصراحة مش عارف المحامي صاحبي والمحامي اللي بيشتغل معاه كانوا جيبين الناس دي على اي أساس
المهم
وجدت نفسي في موقف لا أحسد عليه
ولا أدري ماذا أقول
الى هذا الحد والمقدمة كانت سوداء حالكة السواد
الى أن جاء موعد مرافعة النيابة
وجاء وكيل النيابة وهو شاب صغير السن
وقام مثل الاسد بفتح النار على المتهم من كل الاتجاهات وعلى كافة المحاور
ووصف المتهم بعبارات لو تجمعت في شخص لكان ابليس الذي عصى الله وأبى أن يسجد لادم
وأخذ الرجل يكيل الاتهامات ويندد بالمتهم وكأن القتيل كان والده
حتى قال عبارتين في غاية الاهمية
قال ان الشاهد الاول غير متأكد من التاريخ وغير متأكد من وجود المتهم في مكان الحادثة
وقال الشاهد الثاني أنه لم ير وأنما سمع فقط وهذا يدل على ان المتهم هو القاتل
وهنا فقط اضاءت السماء
ختم وكيل النيابة مرافعته بما كنت ابحث عنه طيله الوقت
وفتح لي الباب لكي اسحب البساط من تحت قدمية وأنا الذ كنت منذ دقائق اتمنى أن تنشق الارض من تحتي قبل أن ينطق القاضي بالحكم
أما ماذا حدث فهو الآتي
طلب القاضي مني المرافعة بعد مرافعة وكيل النيابة
وهي قاعدة معروفه أن المتهم هو آخر من يتحدث
وبدأت الحديث
وتلكم نص المرافعة
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد أطال السيد وكيل النيابة للغاية في مرافعته بدون مبرر ولذلك سوف أختصر في مرافعتي قدر ما أستطيع حرصاً على وقت عدالة المحكمة
ويرد القاضي بعنف : خد راحتك يا استاذ
وبدأت العزف المنفرد
لقد بنيت النيابة أدلتها على شهادة الشهود وهم في الواقع ليسوا دليل ادانة بل دليل براءة
الشاهد الاول قال بأنه غير متذكر وغير متأكد
وماذا في ذلك؟
من منا يمكنه أن يجزم بأنه متأكد وأنه متذكر دائماً؟
دعوني أوجه سؤالاً لمحامي صديق يحضر الجلسة
سمعت بأنه قد حدثت لك حادثة سيارة كسر على أثرها فانوس السيارة
هل هذا صحيح ؟
نعم صحيح
متى حدث ذلك ؟
منذ شهر تقريباً
تمام وفي أي يوم حدث ذلك ؟
لا أتذكر
بتقول ايه ؟
مش فاكر
أسمعت يا سيادة القاضي؟
الشخص الذي كان يركب السيارة أثناء الحادثة لا يتذكر متى وقعت تحديداً
الشخص الذي اصيبت سيارته وقام بأصلاحها لا يتذكر متى كسر فانوس السيارة
والسيد وكيل النيابة يطلب من شخص كان موجودً بالصدفة وقت المشاجرة أن يتذكر كل تفاصيلها
أنا أطلب منك سيادة القاضي أن تقول لي ماذا تناولت على طعام الغذاء الثلاثاء الماضي
يا استاذ لو سمحت متخرجش عن الموضوع
سيادة القاضي هذا هو الموضوع
الموضوع هو أنه لا أحد يذكر كل شيء بالتفصيل حتى ولو كان طعاما بات ليلة كاملة داخل معدته
سيادة القاضي أنت لم تتذكر طعاماً تناولته منذ أربعة أيام
ووكيل النيابة يطلب من الشاهد تذكر وقائع دقيقة منذ أربعة أشهر
وماذا عن الشاهد الثاني
قال انه لم ير وانما سمع فقط
وماذا في ذلك؟
هل من الضروري أن نر الاشياء بعيوننا حتى نجزم بوجودها؟
ثلاثة أرباع عقيدتنا مبنية على اشياء لم نراها
وثلاثة أرباع العلم لم يراه العلماء
ثم أن هناك شهادة اسمها الشهادة بالتسامع
في القرى الصغيرة يعرف كل اهل القرية أن زوجة فلان أنجبت مولوداً اسمه كذا
ولا أحد في أهل القرية رأى ذلك المولود
واذا سألت أحدهم سيحلف لك باغلظ الايمان أن زوجة فلان قد أنجبت مولوداً
واذا كان ذلك كذلك
فما كان أسهل من تلقين الشهود
ما أسهل أن أقول للشاهد الذي لا يتذكر قل انك تتذكر
وما أسهل أن أقول للشاهد الذي لم ير قل انك رأيت
والمحكمة تعلم علماً يقينياً بسهولة شراء الشهود هذه الايام
التي تباع فيها الضمائر شأنها شأن السلع
لقد وضعت الشهود كما هم بين عداله المحكمة
وضعتهم كما جاءوا من قريتهم في بحر البقر ولم أرهم الا الآن
والمحكمة قادرة على أن تميز الخبيث من الطيب
وأدله النيابة كلها بلا استثناء
لا تعدو أن تكون مجرد أقوال مرسلة
يعوزها المنطق

وتفتقر الى اي اساس قانوني أو واقعي
والشك يحيط بأدله الاتهام احاطة السوار بالمعصم
والشك في النهاية يفسر لمصلحة المتهم
وشهادة الشهود ليست ضد المتهم كما تحاول ان توحي النيابة
وفي النهاية عدالة المحكمة هي المحامي الاول عن المتهم
وكما ترى عداله المحكمة فأن المتهم صغير السن
واذا دخل السجن اليوم قاتلا مظلوماً
فسيخرج منه بعد حين قاتلاً ظالماً
وشكراً لسعه صدر المحكمة
........................
هكذا أدى الهجوم بصاحبه
هجوم النيابة على الشهود هو ما منحني الحجة لارد هذا الهجوم
وأقسم أن النيابة لو لم تهاجم المتهم والشهود بتلك الضراوة
لحكم على هذا المتهم بسبع سنين سجن على الاقل
لو أكتفى وكيل النيابة بما جاء في الاوراق لما خرج المتهم بريئاً
فأنا لم اقرأ القضية ولا أعرف عنها شيئاً
ولم اكن أجد ما أقول
...................
اظرف ما في الموضوع ان احدهم لاحقني وانا اخرج من الجلسة بعد النطق بالبراءة ليطلب مني الترافع في قضية مخدرات
نظرت اليه وانا اضحك وقلت له معلش اصل انا مش محامي
وتركته وهو ينظر ببلاهة الى الروب الاسود على كتفي وكارنيه نقابة المحامين في يدي
ثم يضرب كفاً على كف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق